عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-2014, 10:04 PM   المشاركة رقم: 8
الكاتب
snowwhite
عضو متميز
الصورة الرمزية snowwhite

البيانات
تاريخ التسجيل: Jul 2014
رقم العضوية: 20069
المشاركات: 902
بمعدل : 0.25 يوميا

الإتصالات
الحالة:
snowwhite غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : snowwhite المنتدى : منتدى الاخبار و التحليل الاساسى
افتراضي رد: ~*¤ô§ô¤*~ *مكتبة حلقــــــات اقتصاديــــة فى التحليل الأساسى -*~*¤ô§ô¤*~

سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 7 : طبيعة وأسباب التضخم





طبيعة الظاهرة التضخمية :

هناك وجهتا نظر مختلفتين حول تفسير ظاهرة التضخم ، ففي حين يرى البعض أن التضخم هو ظاهرة نقدية على وجه حصري ، فإن البعض الآخر يعتبره ظاهرة اقتصادية كلية .

التضخم كظاهرة نقدية :

حسب فرضية التضخم النقدي البحت فإن الخلق المفرط للنقود هو السبب في ارتفاع الأسعار . هذا التحليل يستند إلى النظرية الكمية للنقود التي طورها بشكلها المعاصر دون باتينكان وميلتون فريدمان والتي تتوضح أيضاً بشكلها الأكثر تبسيطاً عبر المعادلة التالية :
MV=PT ، حيث :
M : كمية النقود المعروضة بواسطة النظام المصرفي ( عرض النقود ) .
V : سرعة تداول النقود .
P : المستوى العام للأسعار .
T : كمية الصفقات المحققة التي تشكل مقياساً للإنتاج أو لعرض السلع والخدمات .

إن هذه المعادلة الكمية تقيم علاقة سببية بين كمية النقود المصدرة والأسعار ، وتغير كمية النقود يسبب تغيراً نسبياً موازياً في الأسعار . فإذا سلمنا جدلاً أن هناك ارتفاعاً في حجم الكتلة النقدية لكون عرض النقود يحدد كلياً من قبل السلطات النقدية ، فبإمكان هذه السلطات عبر تغييرها لحجم الكتلة النقدية ( كمية النقود ) أن تحرك مستوى الأسعار العام وتطبق سياسة نقدية فعالة .

ولكن لا يمكن أن تكون النقود سبباً أساسياً في عدم التوازن التضخمي إلا إذا كان عرض النقود مستقلاً تماماً عن الطلب عليه . ففعلياً لا تصدّر النقود إلا بمقدار ما يكون مطلوباً ، ومن حيث المبدأ لا يمكن أن يكون هناك فائض في عرض النقود . فالإصدار الإضافي للنقود لا يرد إلا على زيادة إحدى أو كافة مكونات الطلب النهائي ( استهلاك القطاع الخاص ، استهلاك القطاع العام ، تكوين إجمالي رأس المال الثابت وغيرها ) .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التضخم كظاهرة اقتصادية كلية :

من هذه الوجهة يبدو التضخم وكأنه عدم توازن إجمالي بين الظواهر الاقتصادية . فالتضخم هو عينه ظاهرة إنتاج ودخل وإنفاق ، وظاهرة ارتفاع الأسعار ليست إلا نتيجة ( أثر ) التضخم ، خلافاً لما هو سائد بأنها التضخم بحد ذاته . فالتضخم ينشأ نتيجة زيادة في تدفقات الطلب بالنسبة لإمكانيات العرض ، هذه الزيادة ( أي هذا الفارق بين العرض والطلب ) يحدث حركة ارتفاع للأسعار في اتجاه واحد .

وإذا كان التضخم ظاهرة نقدية بطبيعته ، حيث يترجم بارتفاع في مستوى الأسعار العام الذي يؤدي إلى تدهور في القدرة الشرائية للنقود ، فهناك العديد من الأسباب التي تجعل من التضخم المعاصر ظاهرة مركبة نقدية اقتصادية .

أسباب التضخم :

تتعدد العوامل المسببة للتضخم ، فهناك من يرى أن تلك العوامل تستتر خلف الطلب ، وهناك من يرى أنها تكمن وراء العرض ، بينما يرى فريق ثالث أن السبب الرئيسي يرجع إلى الهيكل الاقتصادي القائم .

التضخم الناشئ عن الطلب :

يحدث هذا التضخم عندما يكون الطلب الكلي على السلع والخدمات في المجتمع أكبر من العرض الكلي . ويرجع هذا التحليل إلى كل من العالِمين الاقتصاديين فيكسل وكينز ، وذلك عند محاولتهم صياغة النظرية الكمية ، حيث اعتبرا أن كمية النقود ترتبط بمستوى الأسعار مباشرة ، وبذلك فإن التضخم يحدث عندما تزداد الكمية ، ويتوقف عندما تحدد هذه الكمية . ويكون معدل التضخم أو معدل ارتفاع الأسعار دائماً متكافئاً مع معدل التغير في كمية النقود .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وقد قدم كينز صورة للتضخم من خلال الطلب ، يتخذ شكل حلقة حلزونية تبدأ أولاً عن طريق زيادة فائض الطلب النقدي ( يستوي في هذا أن تكون زيادة الفائض النقدي بسبب استثمار إضافي يرجع إلى التقدم التقني أو إنفاق حكومي أو إنفاق اجتماعي ) يفوق الزيادة في العرض ، وعندما يوجد مثل هذا الفائض فإنه سوف يؤدي إلى زيادة الأسعار ، وعندئذ تعمل المشاريع الاقتصادية على زيادة الإنتاج ، حيث أن زيادة الأسعار تعني إمكانية زيادة الأرباح ، كما أن زيادة الطلب تعني التوسع الاقتصادي والرخاء الاقتصادي وإمكانية تصريف الإنتاج . وزيادة الإنتاج سوف تؤدي إلى زيادة الطلب الكلي على عناصر الإنتاج وبالتالي زيادة الأجور . ومن ثم تزداد القوة الشرائية الموزعة على عناصر الإنتاج وبصفة خاصة العمل . وهذه الزيادة في القوة الشرائية الموزعة على العناصر سالفة الذكر سوف تذهب إلى الاستهلاك ، مما يؤدي إلى زيادة جديدة في الطلب ، وهذه الزيادة الجديدة في الطلب سوف تحقق نفس الدورة السابقة ( زيادة في الإنتاج ، ارتفاع في الأجور ، زيادة في الطلب ، والتي سوف يكون من نتيجتها ارتفاعاً جديداً في الأسعار ، وبذلك ندخل في حلقة مفرغة من الارتفاعات في الأسعار ) .

وقد أورد كينز في هذا التحليل الحالات التي يستطيع العرض مواجهة الزيادة في الطلب أو فائض الطلب النقدي الذي أدى إلى زيادة الأسعار . ففي هذا الصدد نجده قد فرق بين أمرين ، الحالة الأولى وهي التي يكون الاقتصاد في مرحلة التشغيل الجزئي ، أما الثانية فهي التي يكون الاقتصاد قد وصل إلى مرحلة التشغيل الكامل .

الحالة الأولى : مرحلة التشغيل غير الكامل ( الجزئي ) وتعني هذه الحالة أن هناك جزءاً من الموارد الإنتاجية معطل أي غير مستغل . ومن ثم فإن زيادة الطلب أو الإنفاق أو تواجد كمية نقود جديدة ، لن يؤدي بالضرورة إلى ظاهرة التضخم ، حيث أن الاقتصاد يستطيع أن يواجه الزيادة في الإنفاق أو الطلب بزيادة مماثلة في الإنتاج ، أي العرض . فالتشغيل غير الكامل يعني مرونة الجهاز الإنتاجي وقدرته على الاستجابة للتغيرات في الطلب .

الحالة الثانية : المرحلة التي يكون قد وصل فيها الاقتصاد إلى التشغيل الكامل لكل موارده ، وعندئذ فإن زيادة الإنفاق لن تؤدي إلا إلى زيادة الطلب الكلي ، مع عدم قدرة الجهاز الإنتاجي على مواجهة هذه الزيادة بزيادة مماثلة في حجم السلع والخدمات لامتصاص الزيادة في الطلب النقدي ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق رفع الأسعار ، وهي الوسيلة الوحيدة لمواجهة الاختلال بين الطلب الكلي والعرض الكلي ، حيث أن المشاريع سوف تعمل على زيادة طاقتها الإنتاجية عن طريق تشغيل عمال جدد ودفع أجور إضافية ورفع معدلات الأجور ، ومن شأن ذلك أن يرفع الأسعار . ومع كل هذا فالتوازن الحقيقي لا يمكن أن يعود مرة أخرى ، فارتفاع الأجور يولد من جديد مداخيل نقدية جديدة تتحول إلى سلع وخدمات عن طريق الاستهلاك ، فيزداد الطلب من جديد ويواجه عرضاً ثابتاً وترتفع الأسعار ، ونعود مرة أخرى إلى الحركة الدائرية اللولبية لارتفاع الأسعار .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التضخم وعلاقته بالعرض والطلب والإنتاج : شرح الصورة البيانية :
يظهر في الصورة البيانية تأثير العرض والطلب على مستوى الأسعار ( التضخم ) وعلاقته بالإنتاج ، فارتفاع مستوى الطلب من المنحنى 1 ( عند النقطة 1 حيث توازن العرض والطلب ) إلى المنحنى 2 سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومستوى الإنتاج وازدياد العرض بداية ، إلا أن عجز الطاقة الإنتاجية عن تلبية الطلب سوف تؤدي إلى هبوط مستوى العرض وانتقال المستوى من المنحنى 1 إلى المنحنى 2 ، وصولاً إلى نقطة التوازن رقم 2 ، حيث يزداد ارتفاع الأسعار ويعود مستوى الإنتاج إلى ما كان عليه عند النقطة 1 . وبالتالي فإن ارتفاع مستوى الطلب هنا قد أدى إلى ارتفاع الأسعار على مرحلتين ، وبالتالي ارتفاع التضخم

وعلى أية حال ، فإن مجرد الزيادة في الطلب الكلي لا تكفي لارتفاع الأسعار إلا إذا كان عرض السلع وإنتاجها ثابتاً ، وسواء أكان ذلك بسبب عجز في الجهاز الإنتاجي عن التوسع في الإنتاج وعدم كفاية المخزون عن مواجهة الطلب الجديد ، أو كان العجز متحققاً في بعض القطاعات ( في كثير من الحالات يكون هذا العجز اختيارياً ، بمعنى أن المشاريع تلجأ إليه بتحديد حجم إنتاجها وذلك للاستفادة من ارتفاع الأسعار ) . وإزاء ذلك فالوسيلة الوحيدة التي تمكن من تحقيق التوازن بين العرض والطلب تتم عن طريق رفع الأسعار .

التضخم الناشئ عن زيادة النفقات :

تقول هذه الوجهة أن ظاهرة التضخم ترجع إلى ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة نفقات عناصر الإنتاج ، دون أن يكون هناك تغييراً في الطلب . وعنصر الإنتاج الذي يمثل تكلفة متزايدة هو عنصر العمل . وبعبارة أخرى أن الزيادة في نفقات الإنتاج ترجع في الغالب إلى زيادة معدلات الأجور ، أي رغبة العمال في زيادة مداخيلهم .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

واستجابة لرغبة العمال تقوم الدولة أو المشاريع بزيادة أجورهم دون أن تتحمل بالفعل عبء هذه الزيادة ، فبدلاً من لجوئها إلى تحميل هذه الزيادة على نفقات الإنتاج الأخرى أو بإنقاص معدلات الأرباح ، تقوم باستيعاب هذه الزيادة عن طريق رفع الأسعار . ومن جراء ذلك تحقق هدفاً مركباً ، الاستجابة لمطالب العمال ، وامتصاص القوة الشرائية الزائدة عن طريق الزيادة في الأسعار . ويضاف إلى ذلك أن الزيادة في الأجور تكون في الغالب أقل من الزيادة في إنتاجية العمل ، كما أن ارتفاع الأسعار يتجاوز نسبة ارتفاع الأجور ، ويسبقه بفترة زمنية .

وعلى ذلك فإن تضخم النفقات الناشئ عن ارتفاع مستويات الأجور لا يمكن أن يحقق أثره في ارتفاع الأسعار إلا إذا توافرت شروط معينة تتمثل في موقف المشاريع الإنتاجية من ارتفاع مستويات الأجور . فهي بين خيارين : الأول أن تتحمل هذه المشاريع الزيادة في النفقات وأن تقلل من أرباحها وتحقق بذلك ثباتاً في الأسعار ، أما الثاني فهو حرص تلك المشاريع على ثبات معدلات الأرباح التي تحصل عليها ، ومن ثم تنقل عبء ارتفاع أجور العمال إلى المستهلك عن طريق رفع الأسعار . ولا يخفى أن المنتجين يعمدون إلى الخيار الأخير ، فهم يستجيبون لطلب رفع الأجور ، وترتفع نفقات الإنتاج مع بقاء الأرباح على ما هي عليه ومن ثم ترتفع الأسعار .

التضخم البنيوي أو الهيكلي :

هو الذي يرتبط بطريقة الإنتاج الرأسمالي وبالقوانين الموضوعية المنظمة للنشاط الاقتصادي . والهيكل الاقتصادي يتمثل في "مجموعة العلاقات والنسب الثابتة والتي تمتد من خلال الزمان والمكان بين القطاعات والمناطق والكميات والتيارات الاقتصادية ، والتي ترتبط بعملية إنتاج وتوزيع الموارد المادية داخل المجتمع" . فالضغوط التضخمية ينعكس أثرها على الطلب أو النفقات أو الإنتاج ، وتجد أسبابها إما في سلوك العناصر الهيكلية للاقتصاد ، مثل السكان ، أو شكل المشاريع ، أو هيكل السوق ، وإما في جمود العلاقات بين تلك العناصر . وتمثل ظاهرة التضخم هنا الحالة المتراكمة منذ زمن بعيد في كافة الاقتصاديات الرأسمالية بشقيها المتقدم والمتخلف وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تظهر الصورة البيانية معدلات التضخم ومعدلات النمو النقدي لعدد من الدول ما بين عامي 1992 ( كسنة أساس ) و2002 ، وتشير كل نقطة خضراء إلى دولة معينة من حيث معدل تضخمها ومعدل ازدياد الكتلة النقدية . ففي الولايات المتحدة حيث تظهر النقطة الخضراء أكثر قرباً من خط معدل النمو النقدي منها من خط معدل التضخم ، فهذا يشير إلى أن معدل ازدياد النمو النقدي يقابله معدل أقل لازدياد التضخم ( حيث تزداد الكتلة النقدية بشكل أكبر من معدل ارتفاع التضخم ) ، وهذا يؤشر إلى قوة اقتصادية يدعمها النمو والإنتاج في رفع معدل النمو النقدي دون ارتفاع كبير في التضخم . وكذلك الأمر في بريطانيا . وفي الإكوادور يظهر السيناريو المعاكس للسيناريو في الولايات المتحدة ، حيث أن معدل ارتفاع التضخم هو أكبر من معدل نمو الكتلة النقدية ، وهذا يؤشر إلى تراجع الإنتاج وعجز في الميزانية . أما في فنزويلا والبيرو فيتساوى المعدلين ، وينتج عن ذلك استقرار نسبي في القيمة الحقيقية للنقود ومستوى المعيشة لكلا البلدين في هذه الفترة . أما البرازيل وبيلاروسيا فصحيح أن كلا المعدلين متساويين تقريباً إلا أنهما مرتفعين ، وهذا مؤشر على تدهور القيمة الاسمية ( الرقمية ) للعملة ، ولكن مع وجود ثبات نسبي في القيمة الحقيقية ومستوى المعيشة .



عرض البوم صور snowwhite  
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 25-07-2014, 10:04 PM
snowwhite snowwhite غير متواجد حالياً
عضو متميز
افتراضي رد: ~*¤ô§ô¤*~ *مكتبة حلقــــــات اقتصاديــــة فى التحليل الأساسى -*~*¤ô§ô¤*~

سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 7 : طبيعة وأسباب التضخم





طبيعة الظاهرة التضخمية :

هناك وجهتا نظر مختلفتين حول تفسير ظاهرة التضخم ، ففي حين يرى البعض أن التضخم هو ظاهرة نقدية على وجه حصري ، فإن البعض الآخر يعتبره ظاهرة اقتصادية كلية .

التضخم كظاهرة نقدية :

حسب فرضية التضخم النقدي البحت فإن الخلق المفرط للنقود هو السبب في ارتفاع الأسعار . هذا التحليل يستند إلى النظرية الكمية للنقود التي طورها بشكلها المعاصر دون باتينكان وميلتون فريدمان والتي تتوضح أيضاً بشكلها الأكثر تبسيطاً عبر المعادلة التالية :
MV=PT ، حيث :
M : كمية النقود المعروضة بواسطة النظام المصرفي ( عرض النقود ) .
V : سرعة تداول النقود .
P : المستوى العام للأسعار .
T : كمية الصفقات المحققة التي تشكل مقياساً للإنتاج أو لعرض السلع والخدمات .

إن هذه المعادلة الكمية تقيم علاقة سببية بين كمية النقود المصدرة والأسعار ، وتغير كمية النقود يسبب تغيراً نسبياً موازياً في الأسعار . فإذا سلمنا جدلاً أن هناك ارتفاعاً في حجم الكتلة النقدية لكون عرض النقود يحدد كلياً من قبل السلطات النقدية ، فبإمكان هذه السلطات عبر تغييرها لحجم الكتلة النقدية ( كمية النقود ) أن تحرك مستوى الأسعار العام وتطبق سياسة نقدية فعالة .

ولكن لا يمكن أن تكون النقود سبباً أساسياً في عدم التوازن التضخمي إلا إذا كان عرض النقود مستقلاً تماماً عن الطلب عليه . ففعلياً لا تصدّر النقود إلا بمقدار ما يكون مطلوباً ، ومن حيث المبدأ لا يمكن أن يكون هناك فائض في عرض النقود . فالإصدار الإضافي للنقود لا يرد إلا على زيادة إحدى أو كافة مكونات الطلب النهائي ( استهلاك القطاع الخاص ، استهلاك القطاع العام ، تكوين إجمالي رأس المال الثابت وغيرها ) .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التضخم كظاهرة اقتصادية كلية :

من هذه الوجهة يبدو التضخم وكأنه عدم توازن إجمالي بين الظواهر الاقتصادية . فالتضخم هو عينه ظاهرة إنتاج ودخل وإنفاق ، وظاهرة ارتفاع الأسعار ليست إلا نتيجة ( أثر ) التضخم ، خلافاً لما هو سائد بأنها التضخم بحد ذاته . فالتضخم ينشأ نتيجة زيادة في تدفقات الطلب بالنسبة لإمكانيات العرض ، هذه الزيادة ( أي هذا الفارق بين العرض والطلب ) يحدث حركة ارتفاع للأسعار في اتجاه واحد .

وإذا كان التضخم ظاهرة نقدية بطبيعته ، حيث يترجم بارتفاع في مستوى الأسعار العام الذي يؤدي إلى تدهور في القدرة الشرائية للنقود ، فهناك العديد من الأسباب التي تجعل من التضخم المعاصر ظاهرة مركبة نقدية اقتصادية .

أسباب التضخم :

تتعدد العوامل المسببة للتضخم ، فهناك من يرى أن تلك العوامل تستتر خلف الطلب ، وهناك من يرى أنها تكمن وراء العرض ، بينما يرى فريق ثالث أن السبب الرئيسي يرجع إلى الهيكل الاقتصادي القائم .

التضخم الناشئ عن الطلب :

يحدث هذا التضخم عندما يكون الطلب الكلي على السلع والخدمات في المجتمع أكبر من العرض الكلي . ويرجع هذا التحليل إلى كل من العالِمين الاقتصاديين فيكسل وكينز ، وذلك عند محاولتهم صياغة النظرية الكمية ، حيث اعتبرا أن كمية النقود ترتبط بمستوى الأسعار مباشرة ، وبذلك فإن التضخم يحدث عندما تزداد الكمية ، ويتوقف عندما تحدد هذه الكمية . ويكون معدل التضخم أو معدل ارتفاع الأسعار دائماً متكافئاً مع معدل التغير في كمية النقود .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وقد قدم كينز صورة للتضخم من خلال الطلب ، يتخذ شكل حلقة حلزونية تبدأ أولاً عن طريق زيادة فائض الطلب النقدي ( يستوي في هذا أن تكون زيادة الفائض النقدي بسبب استثمار إضافي يرجع إلى التقدم التقني أو إنفاق حكومي أو إنفاق اجتماعي ) يفوق الزيادة في العرض ، وعندما يوجد مثل هذا الفائض فإنه سوف يؤدي إلى زيادة الأسعار ، وعندئذ تعمل المشاريع الاقتصادية على زيادة الإنتاج ، حيث أن زيادة الأسعار تعني إمكانية زيادة الأرباح ، كما أن زيادة الطلب تعني التوسع الاقتصادي والرخاء الاقتصادي وإمكانية تصريف الإنتاج . وزيادة الإنتاج سوف تؤدي إلى زيادة الطلب الكلي على عناصر الإنتاج وبالتالي زيادة الأجور . ومن ثم تزداد القوة الشرائية الموزعة على عناصر الإنتاج وبصفة خاصة العمل . وهذه الزيادة في القوة الشرائية الموزعة على العناصر سالفة الذكر سوف تذهب إلى الاستهلاك ، مما يؤدي إلى زيادة جديدة في الطلب ، وهذه الزيادة الجديدة في الطلب سوف تحقق نفس الدورة السابقة ( زيادة في الإنتاج ، ارتفاع في الأجور ، زيادة في الطلب ، والتي سوف يكون من نتيجتها ارتفاعاً جديداً في الأسعار ، وبذلك ندخل في حلقة مفرغة من الارتفاعات في الأسعار ) .

وقد أورد كينز في هذا التحليل الحالات التي يستطيع العرض مواجهة الزيادة في الطلب أو فائض الطلب النقدي الذي أدى إلى زيادة الأسعار . ففي هذا الصدد نجده قد فرق بين أمرين ، الحالة الأولى وهي التي يكون الاقتصاد في مرحلة التشغيل الجزئي ، أما الثانية فهي التي يكون الاقتصاد قد وصل إلى مرحلة التشغيل الكامل .

الحالة الأولى : مرحلة التشغيل غير الكامل ( الجزئي ) وتعني هذه الحالة أن هناك جزءاً من الموارد الإنتاجية معطل أي غير مستغل . ومن ثم فإن زيادة الطلب أو الإنفاق أو تواجد كمية نقود جديدة ، لن يؤدي بالضرورة إلى ظاهرة التضخم ، حيث أن الاقتصاد يستطيع أن يواجه الزيادة في الإنفاق أو الطلب بزيادة مماثلة في الإنتاج ، أي العرض . فالتشغيل غير الكامل يعني مرونة الجهاز الإنتاجي وقدرته على الاستجابة للتغيرات في الطلب .

الحالة الثانية : المرحلة التي يكون قد وصل فيها الاقتصاد إلى التشغيل الكامل لكل موارده ، وعندئذ فإن زيادة الإنفاق لن تؤدي إلا إلى زيادة الطلب الكلي ، مع عدم قدرة الجهاز الإنتاجي على مواجهة هذه الزيادة بزيادة مماثلة في حجم السلع والخدمات لامتصاص الزيادة في الطلب النقدي ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق رفع الأسعار ، وهي الوسيلة الوحيدة لمواجهة الاختلال بين الطلب الكلي والعرض الكلي ، حيث أن المشاريع سوف تعمل على زيادة طاقتها الإنتاجية عن طريق تشغيل عمال جدد ودفع أجور إضافية ورفع معدلات الأجور ، ومن شأن ذلك أن يرفع الأسعار . ومع كل هذا فالتوازن الحقيقي لا يمكن أن يعود مرة أخرى ، فارتفاع الأجور يولد من جديد مداخيل نقدية جديدة تتحول إلى سلع وخدمات عن طريق الاستهلاك ، فيزداد الطلب من جديد ويواجه عرضاً ثابتاً وترتفع الأسعار ، ونعود مرة أخرى إلى الحركة الدائرية اللولبية لارتفاع الأسعار .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التضخم وعلاقته بالعرض والطلب والإنتاج : شرح الصورة البيانية :
يظهر في الصورة البيانية تأثير العرض والطلب على مستوى الأسعار ( التضخم ) وعلاقته بالإنتاج ، فارتفاع مستوى الطلب من المنحنى 1 ( عند النقطة 1 حيث توازن العرض والطلب ) إلى المنحنى 2 سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومستوى الإنتاج وازدياد العرض بداية ، إلا أن عجز الطاقة الإنتاجية عن تلبية الطلب سوف تؤدي إلى هبوط مستوى العرض وانتقال المستوى من المنحنى 1 إلى المنحنى 2 ، وصولاً إلى نقطة التوازن رقم 2 ، حيث يزداد ارتفاع الأسعار ويعود مستوى الإنتاج إلى ما كان عليه عند النقطة 1 . وبالتالي فإن ارتفاع مستوى الطلب هنا قد أدى إلى ارتفاع الأسعار على مرحلتين ، وبالتالي ارتفاع التضخم

وعلى أية حال ، فإن مجرد الزيادة في الطلب الكلي لا تكفي لارتفاع الأسعار إلا إذا كان عرض السلع وإنتاجها ثابتاً ، وسواء أكان ذلك بسبب عجز في الجهاز الإنتاجي عن التوسع في الإنتاج وعدم كفاية المخزون عن مواجهة الطلب الجديد ، أو كان العجز متحققاً في بعض القطاعات ( في كثير من الحالات يكون هذا العجز اختيارياً ، بمعنى أن المشاريع تلجأ إليه بتحديد حجم إنتاجها وذلك للاستفادة من ارتفاع الأسعار ) . وإزاء ذلك فالوسيلة الوحيدة التي تمكن من تحقيق التوازن بين العرض والطلب تتم عن طريق رفع الأسعار .

التضخم الناشئ عن زيادة النفقات :

تقول هذه الوجهة أن ظاهرة التضخم ترجع إلى ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة نفقات عناصر الإنتاج ، دون أن يكون هناك تغييراً في الطلب . وعنصر الإنتاج الذي يمثل تكلفة متزايدة هو عنصر العمل . وبعبارة أخرى أن الزيادة في نفقات الإنتاج ترجع في الغالب إلى زيادة معدلات الأجور ، أي رغبة العمال في زيادة مداخيلهم .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

واستجابة لرغبة العمال تقوم الدولة أو المشاريع بزيادة أجورهم دون أن تتحمل بالفعل عبء هذه الزيادة ، فبدلاً من لجوئها إلى تحميل هذه الزيادة على نفقات الإنتاج الأخرى أو بإنقاص معدلات الأرباح ، تقوم باستيعاب هذه الزيادة عن طريق رفع الأسعار . ومن جراء ذلك تحقق هدفاً مركباً ، الاستجابة لمطالب العمال ، وامتصاص القوة الشرائية الزائدة عن طريق الزيادة في الأسعار . ويضاف إلى ذلك أن الزيادة في الأجور تكون في الغالب أقل من الزيادة في إنتاجية العمل ، كما أن ارتفاع الأسعار يتجاوز نسبة ارتفاع الأجور ، ويسبقه بفترة زمنية .

وعلى ذلك فإن تضخم النفقات الناشئ عن ارتفاع مستويات الأجور لا يمكن أن يحقق أثره في ارتفاع الأسعار إلا إذا توافرت شروط معينة تتمثل في موقف المشاريع الإنتاجية من ارتفاع مستويات الأجور . فهي بين خيارين : الأول أن تتحمل هذه المشاريع الزيادة في النفقات وأن تقلل من أرباحها وتحقق بذلك ثباتاً في الأسعار ، أما الثاني فهو حرص تلك المشاريع على ثبات معدلات الأرباح التي تحصل عليها ، ومن ثم تنقل عبء ارتفاع أجور العمال إلى المستهلك عن طريق رفع الأسعار . ولا يخفى أن المنتجين يعمدون إلى الخيار الأخير ، فهم يستجيبون لطلب رفع الأجور ، وترتفع نفقات الإنتاج مع بقاء الأرباح على ما هي عليه ومن ثم ترتفع الأسعار .

التضخم البنيوي أو الهيكلي :

هو الذي يرتبط بطريقة الإنتاج الرأسمالي وبالقوانين الموضوعية المنظمة للنشاط الاقتصادي . والهيكل الاقتصادي يتمثل في "مجموعة العلاقات والنسب الثابتة والتي تمتد من خلال الزمان والمكان بين القطاعات والمناطق والكميات والتيارات الاقتصادية ، والتي ترتبط بعملية إنتاج وتوزيع الموارد المادية داخل المجتمع" . فالضغوط التضخمية ينعكس أثرها على الطلب أو النفقات أو الإنتاج ، وتجد أسبابها إما في سلوك العناصر الهيكلية للاقتصاد ، مثل السكان ، أو شكل المشاريع ، أو هيكل السوق ، وإما في جمود العلاقات بين تلك العناصر . وتمثل ظاهرة التضخم هنا الحالة المتراكمة منذ زمن بعيد في كافة الاقتصاديات الرأسمالية بشقيها المتقدم والمتخلف وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تظهر الصورة البيانية معدلات التضخم ومعدلات النمو النقدي لعدد من الدول ما بين عامي 1992 ( كسنة أساس ) و2002 ، وتشير كل نقطة خضراء إلى دولة معينة من حيث معدل تضخمها ومعدل ازدياد الكتلة النقدية . ففي الولايات المتحدة حيث تظهر النقطة الخضراء أكثر قرباً من خط معدل النمو النقدي منها من خط معدل التضخم ، فهذا يشير إلى أن معدل ازدياد النمو النقدي يقابله معدل أقل لازدياد التضخم ( حيث تزداد الكتلة النقدية بشكل أكبر من معدل ارتفاع التضخم ) ، وهذا يؤشر إلى قوة اقتصادية يدعمها النمو والإنتاج في رفع معدل النمو النقدي دون ارتفاع كبير في التضخم . وكذلك الأمر في بريطانيا . وفي الإكوادور يظهر السيناريو المعاكس للسيناريو في الولايات المتحدة ، حيث أن معدل ارتفاع التضخم هو أكبر من معدل نمو الكتلة النقدية ، وهذا يؤشر إلى تراجع الإنتاج وعجز في الميزانية . أما في فنزويلا والبيرو فيتساوى المعدلين ، وينتج عن ذلك استقرار نسبي في القيمة الحقيقية للنقود ومستوى المعيشة لكلا البلدين في هذه الفترة . أما البرازيل وبيلاروسيا فصحيح أن كلا المعدلين متساويين تقريباً إلا أنهما مرتفعين ، وهذا مؤشر على تدهور القيمة الاسمية ( الرقمية ) للعملة ، ولكن مع وجود ثبات نسبي في القيمة الحقيقية ومستوى المعيشة .




رد مع اقتباس